Seni Menasehati

الحمد لله الذي جعل النصيحة من الدين، ورتب عليها من المصالح الدينية والدنيوية ما تصلح به أحوال المسلمين. أشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله دلنا على الحكمة في النصح والتبيين، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وكل من سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا أيها الناس…

أوصيكم ونفسي بتقوى الله وطاعته لقوله تبارك وتعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما.

أيها المسلمون، فإننا في هذه الحياة لا نخلو من مواقف نحتاج فيها إلى تقديم توجيهات ونصائح للآخرين. فالنصيحة من شعائر الإسلام العظيمة، وهي دأب الأنبياء والمرسلين، قال نوح عليه السلام لقومه: أبلغكم رسلت ربي وأنصح لكم، وقال هود عليه السلام: أبلغكم رسلت ربي وأنا لكم ناصح أمين، وقال صالح عليه السلام: لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم. واشترط النبي صلى الله عليه وسلم على من أسلم من الصحابة فعل هذه العبادة. قال جرير رضي الله عنه: بايعت رسول الله على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم. والنصيحة من حقوق المسلم على أخيه المسلم. قال عليه الصلاة والسلام: حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه.

أيها المسلمون رحمكم الله…

وإذا كان للنصيحة هذه الأهمية في ديننا، فإن لها آدابا ينبغي مراعتها عند تقديمها للآخرين. ومن تلك الآداب هو الإخلاص لله تعالى فيها وأن لا يكون الغرض منها الشماتة بالمنصوح، فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم.

ومن أهم آداب النصيحة تهيئة المنصوح لإلقاء النصيحة. فليس من الحكمة أن ندخل مباشرة في الموضوع ونلقي عليه النصيحة من غير تهيئة. بل ينبغي أن يهيئ المنصوح بالمدح والثناء عليه قبل تنبيهه على خطئه. فالمدح مفتاح القلوب. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعمل هذه الطريقة في نصح أصحابه رضوان الله عليهم. فكان النبي إذا أراد أن ينصح أحدا هيأه لقبول النصيحة. فقد أراد النبي يوما أن يعلم معاذ بن جبل ذكرا يقوله بعد الصلاة فأقبل إلى معاذ وقال: يا معاذ، والله إني لأحبك، فلا تدعنّ في دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. أتدرون –عباد الله- ما موقع قوله والله إني لأحبك؟ إنها التهيئة لقبول النصيحة.

وفي يوم آخر، لاحظ الرسول أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا طاف بالكعبة زاحم الناس لتقبيل الحجر الأسود، وهو المعروف بشجاعته وقوة بدنه. فأراد النبي أن يبين له الصواب فقال – على سبيل التهيئة لقبول النصيحة-: يا عمر، إنك رجل قوي ثم نصحه فقال: فلا تزاحمن عند الحجر.

ومرة، أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينصح عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما بقيام الليل فقال له: نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم الليل. فكان الرسول الكريم يستعمل هذا الأسلوب الرائع في نصح الأمة. لأن النبي صلى الله عليه وسلم فهم أنه يتعامل في الحقيقة مع قلوبهم لا مع أجسادهم.

فاتقوا الله عباد الله واقتدوا بنبيكم في نصح الآخرين ممتثلين قول الله تعالى: أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

Home
PSB
Search
Galeri
KONTAK